4 - مساعدة المؤلفين في كتابة الحوار جيد

(المحتوي في الاسفل منقول الغرض الوحيد منه هو مساعدة الكتاب ولم أكتب منه شيئاً)

*الحوار :

حقيقة لم أكن أرغب بالحديث عن الحوار .. فبافتراض أنك تكتب رواية فلديك خبرة قليلة عن الحوار .. أهم جزء في الحوار هو ضمائر السرد و قد فرقتها لأنها مهمة و تستحق نقطة بمفردها .. لكني سأتحدث بصفة عامة عن الحوار ..

ما هو الحوار ؟

هو الحديث الذي يأتي على لسان الشخصيات وسط المشاهد ..

ما فائدته ؟

تطوير الحدث .. تقديم الأفكار .. إضافة الحيوية و الطبيعية على المشهد .. طرد الملل من المكان ..

ما هي صوره ؟

في رأسي عدة صور للحوار هي :

1.-محمد : أنت سيء !

-أحمد : لم ؟!

-محمد : لا أدري .. لكنك سيء !

2. – أنت سيء !

-لم ؟!

-لا أدري .. لكنك سيء !

3. نظر محمد بعمق في عيني أحمد كأنه يفحصهما بآشعة غير مرئية ثم قال بنبرة جدية تماما :

-أنت سيء !

كانت جملة غريبة حقا , اتسعت عينا المسكين أمامه لتهتزا في صمت قطعه صوت أحمد متسائلا بارتعاش واضح في نبرته :

-لم ؟!

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي محمد متلذذا بعذاب من أمامه ثم قال بسعادة سادية :

-لا أدري .. لكنك سيء !

هذه هي الثلاثة أمثلة للحوار الذي أعرفه .. بالطبع يمكن دمج الثلاثة سويا .. لكن سأتحدث موضحا رأيي الشخصي في الثلاثة ..

بالنسبة للنمط الأول فأعتبره مستوى متوسط من الحوار .. حين أريد الحديث بصورة رتيبة بين شخصين ( قال محمد .. قال أحمد .. قال محمد .. قال أحمد … الخ ) فأستخدم تلك الطريقة توفيرا للوقت ..

بالنسبة للنمط الثاني فأنا لا أحبه .. أراه ضعفا حقا في نظري .. ففي البداية قد أمسك بتلابيب المتحدثين قبل أن يفروا على طائراتهم الورقية من رأسي فأتسائل بعد عدة أسطر قليلة : من يتسائل ومن يجيب ؟ من يقول المعلومة – لأنه يعرفها – ومن يستقبلها – لأنه جاهل بها – ؟

الارتباك هذا لا أراه جيدا .. فهو يخرج القارئ من جو النص و يصيبه بنظرة ضبابية حول المعلومات و من يقولها و من يستقبلها .. و لهذا لا أحبه ..

النمط الثالث أحبه للغاية .. فهو المناسب – في رأيي – لوصف حوار جيد .. كي أكتب حوارا كهذا أنا أقترب به من حافة الواقع .. ففي الواقع كل كلمة في أي حوار بينك وبين أحد الأشخاص أو حوارا يحدث أمامك كل كلمة تُقال من أحد طرفي الحوار يصاحبه رد فعل تعبيرية كانت أو كلامية من الواقفين حوله .. هذا هو الواقع .. وهكذا هي الرواية ..

لكن أحيانا أشعر بالثقل في الكتابة هكذا .. حين أشعر أن الأمر صار روتينا أتحول للنمط الأول فورا كي أنوع من الحوار و أبعد الملل الذي يدخل في نفسي .. ومتى أشعر بالملل داخلي فهو سيصيب القارئ بلا شك . و أما استخدامي للنمط الثاني ففي حدود ضيقة و في سبيل الإشارة لأن هذا المقطع من الحديث جاء بسرعة شديدة ككلمة و ردها ..

النقطة الأخيرة هي قاعدة عامة في كل شيء .. لا تكتب شيئا لا فائدة منه ! كذلك هنا .. لا تكتب حوارا فقط بغرض تحريك الحدث .. حاول أن تجد فائدة أخرى له و إلا تجنبه بقفزة زمنية بسيطة كما سأوضح لاحقا ..

ضمائر السرد :

حسنا .. كان هناك نقاشا بيني و بين البعض حول هذه النقطة .. نقاشا مهم و جميل .. سألخصه في النقاط التالية مع القراءات التي انتهيت منها :

نقطة أحب ذكرها بمفردها : ضمير السرد = الحوار و السرد خلاف الحوار .. و ضمير السرد ليس مجرد ضمير للكتابة و السرد .. لكل ضمير مميزات و عيوب و نقاط يجب الانتباه إليها .. لا يوجد شيء اسمه سهل في كتابة الرواية .. أخيرا سأتحدث عن الأول و الثالث و الثالث المحدود .. و للأسف لا أعرف الثاني كي أتحدث عنه أو الضمائر الأخرى التي سمعت عنها يوما .. فمن يمتلك المعرفة فليتحدث عنها كي تزيد المعرفة للجميع ..

-ضمير السرد الأول :

معروف باسم الأنا .. الضمير الثرثار ” في رأيي “

كم أكره هذا الضمير !

عيوبه :

1-أول العيوب على الإطلاق هي اختيار من سيتحدث ! ببساطة على الراوي أن يكون متواجدا في كافة المشاهد التي ستسردها .. فلا تسرد شيئا لن يحضره تلك الشخصية ..

2-ثاني العيوب – في نظري – هي تضييق الخناق على الكاتب .. فعلى الكاتب – وعليه أن يدرك هذا جيدا – أنه سيتحدث فقط من منظور تلك الشخصية .. و لن يتحدث إلا من خلالها .. و من هنا تقع عدة أخطاء .. منها :

لا يستقيم للراوي أن يعلم خبايا النفوس ! فلن يمكن أن يقول أن الشخصية تلك تضمر له شرا أو تفكر في كذا .. عليه أن يقول بدلا من ذلك أنه لا يستريح لها أو يشعر بأنها خطر , أو تعبيرات وجهها تقول شيئا و كلماتها تقول شيئا آخر .. وربما نظراتها .. فقط لا تصل لاستنتاجات الخبايا المشهورة في الشخص الثالث ..

3-ثالث العيوب هي الملل و الثرثرة .. في رأيي من أخطر الأساليب للكاتب المبتدئ .. فإن لم ينتبه فستثرثر الشخصية على الدوام .. هذه المنطقة كريهة الرائحة .. هذه الفتاة شعرها سيء .. هذا الفستان رديء الذوق .. لو استمر الكاتب في ترك المجال لشخصيته بالثرثرة فلن ينتهي و لن يتوقف .. كذلك تقنيات الكاتب يتحدى الملل في رأيي الخاص لا يمكن تطبيقها هنا .. فالعرض و التصريح ليس بخيار .. فلن يمكن الكاتب أن يصرح بشيء إلا بالذي تفكر فيه الشخصية الراوية , أما بقية الأمور ستكون وصفا و استنتاجا .. كذلك لن يمكنني تنويع الحوار أو عمل تداخلات إلا القليل منها ..

4-رابع العيوب هي تفكك الأحداث .. هي نظرة خاصة حين فكرت ماذا سأفعل حين أكتب رواية بضمير السرد الأول ؟ حقيقة وجدت أنني سأسرد موقفا فيه الشخصية .. ثم أقفز نحو موقف آخر تكون فيه الشخصية .. ربما تحدث مواقف في المنتصف .. لكني لا يمكنني سردها .. فقط يمكنني سرد نتائجها أو التعبير عنها اختصارا .. شعرت أنني هكذا أكتب رواية مفككة .. كل فترة أقفز لمكان دون الترابط بين ما يحدث وما حدث في الخفاء إلا رمزا أو اختصارا .. هذا الأمر يضايقني كقارئ .. و لهذا لا أشعر أنه صحيح !

بالمناسبة مجددا .. أنا أكره هذا الضمير ..

5-العيب الخامس في نظري هي فقدان التأثير على القارئ بصورة كبيرة .. فمثلا في مشهد ترى الشخصية طفلة تموت .. و والدة الطفلة تصارع كي تنقذها لكنها تفشل .. القارئ كأنه ينظر للمشهد عبر زجاج نافذة محكمة الغلق .. لكن ما الحال إن وصفت الأمر بضمير آخر – الثالث مثلا أو الثالث المحدود – و فيه وضحت الموقف المؤلم ؟! بالقطع سيكون الأمر مختلفا ..

6-العيب السادس هو تضخيم الشخصية لذاتها .. فمن كثرة الحديث عن الذات ستتضائل كافة الشخصيات و تبرز الشخصية الراوية بمفردها في الصورة .. كل شيء من نظرها أنها هي الصحيحة والبقية خطأ .. هذا جيد في سبيل النقد الخاص للتفكير الذاتي .. فحين يتعارض المنطق مع ما يحكيه العقل السردي فحينها يبدأ القارئ بالتفكير .. لكن المبالغة في الأمر قد يجعل الشخصية كأنها سوبر مان لا تخترق ! بالطبع المبالغة ليست أمرا سهل تجنبه هنا بالوضع في الاعتبار أنك يجب ان تملاأ فراغات السرد الروائي هنا بحديث الشخصية و الشخصية فقط هي التي ستتحدث !

7-العيب السابع .. عيب غريب .. لكني سأوضحه كما فهمته من أورسون .. باختصار تحدث عن أن الشخصية السردية هنا جزء من الحكاية .. أمر طبيعي بالقطع .. فهي التي تسرد .. حينها تسائل أورسون : لماذا تسرد الشخصية هذه الأحداث ؟ ولمن تسردها ؟

بالنسبة لضمائر سرد أخرى – مثل الثاني و الثالث – يصبح السرد عملية عادية .. شخص يتحدث – المؤلف – على لسان العديد و العديد من الشخصيات .. كما وصفها أورسون .. بوجود حائط رابع بين المؤلف و القراء و الشخصيات و الرواي .. أما هنا فالحائط غير موجود في الأساس بين الرواي و بين القراء .. و بالتالي يجب الإجابة على هذين السؤالين ..

يقول أورسون أن هناك ثمة طريقة متبعة لذلك .. شهيرة فعلا .. هي أن يتجمع عدة أشخاص سويا في جلسة و يطلبون من شخص أن يسرد قصة معينة .. فيبدأ الشخص بالسرد .. و قد يكون شيخا يحدث أبنائه عن الحقيقة الخفية .. قد يكون أي شخص يحدث أي شخص آخر .. الفكرة في وجود الهيكل الخارجي للقصة .. أي أن القصة ذاتها ما هي إلا جزء من عملية سردية في جلسة جماعية .. و أن الشخصية تسرد الأحداث لأنه طلب منها ذلك .. سواء طُلب من المستمعين أو من داخل الشخصية نفسها لشعورها بأي شعور ترغب في التفكير فيه ككاتب .. في الوقت نفسه من يستمع للقصة ليس القراء و إنما الذين مع الشخصية السردية في الهيكل العام للقصة .. بينما القراء مجرد متطفلين !

ليس هذا الحل الوحيد بالطبع .. لكنه أحد أكثرها شيوعا .. من الحلول الأخرى هي الخطابات .. حيث تستقبل شخصية خطابا من شخصية أخرى تسرد فيها حكاية الثانية للأولى .. و قد تكون مذكرات شخصية يطلع عليها أحد فيما بعد .. كما فعلت في مذكرات رانمارو مثلا .. و قد تكون شرحا لأمور حدثت أمام قاضي في قضية .. لديك مطلق الحرية في التفكير بحلول تلائم قصتك .. فقط لا تنسَ .. لا تبدأ القصة مباشرة .. يجب أن تحدد لماذا و لمن تتحدث الشخصية السردية و إلا سيكون خطأ !

8-العيب الثامن الذي يوضحه أورسون هو الخلل الزمني .. فضمير السرد الأول يسرد الأحداث بصورة ماضية .. مهما حاول المؤلف فتظل الرواية في صيغة ( ما حدث سابقا ) و ليس في صورة ( ما يحدث الآن ) .. و هذا ما يعني وجود فجوة زمنية بين الأحداث و بين الحاضر .. بالطبع هو عيب خطير .. و بالمثل فضمير السرد الثالث لديه خلل مكاني , فالذي يسرد الرواية له قدرة على الدخول لعقول الشخصيات أحيانا .. وهذا يسبب خللا و ارتباكا لدى بعض القراء كما يوضح أورسون على أساس أنهم لا يعرفون مكان الراوي من الشخصيات نفسها .. أحيانا يكون فوقهم و بعد لحظة يكون بينهم و تالية يكون في عقل أحدهم .. على كلٍ ضمير السرد الشخص الثالث المحدود هو من المحاولات الناجحة في كسر هذين الحاجزين .. في رأيي الشخصي لديه مستقبل باهر هذا الضمير .. (( بالمناسبة .. لم أفهم ما قاله أورسون ها هنا .. ربما لذوي الخبرة في هذا الضمير يخبرني عما يريد قوله ))

9-العيب التاسع للضمير هو أن الشخصية التي تسرد الرواية تعرف جيدا النهاية .. لهذا فلو أخطأ الكاتب خطأ واحد و صرح على لسان الشخصية بالنهاية أو بعض منها فقد خسر الكثير ..

10-العيب العاشر – وهو ليس عيبا بالمناسبة – هو تخصص بعض أنواع الروايات لهذا الضمير .. فمثلا من الصعب كتابة رواية مغامرات و فانتازيا بهذا الضمير نظرا لصعوبة الأمر .. كذلك من الصعب كتابة رواية أفكار – أعني روايات اللغز و الغموض – لكن من الأفضل كتابة الروايات الرومانسية و الإجتماعية بهذا الضمير .. بالطبع هذا من رأيي الشخصي المحض ..

11-العيب الحادي عشر .. أنا قد لا أحب الشخصية .. فلم أقرأ الرواية ؟!

بالطبع قلت أن هذا الضمير هو ضمير سردي من وجهة نظر واحدة .. شخصية واحدة تثرثر و تثرثر و تثرثر .. ما رأيك إن لم تحب الشخصية تلك ؟ أمر طبيعي و شائع أن يحدث .. لو أمسكت برواية ستجد أنك قد تحب الشرير و تكره البطل .. فما رأيك حين يتم سرد الرواية ذاتها من وجهة نظر البطل الطيب ؟ ستكرهه .. و بالتالي ستكره الرواية لأنه لا يوجد لك من بوابة لقرائتها سوى الاستماع لحديث الشخصية التي تكرهها ..

العيب ببساطة أنه يضيق الخيارات أمامك لتحب شخصية من عدة اختيارات متاحة لك بأنماط مختلفة إلى خيار وحيد فقط أنت مجبر عليه سواء راضيا أم لم ترضَ .. عيب خطير في نظري ..

أعتقد أن الوقت حان لأن أقول ميزة هذا الضمير ..

مجددا .. كم أكره هذا الضمير !

حسنا .. الميزة الوحيدة لهذا الضمير هو أنه يكسر الحاجز بين القارئ و الشخصية .. فهو يجعل القارئ أكثر قربا للشخصية بصورة لا مثيل لها .. ضاربا بذلك عيب ضمير السرد الثالث و الذي يجعل القارئ بعيدا قليلا عن الشخصيات في الرواية .. ولهذا فمن المنطقي أن الحديث بهذا الضمير يتطلب تحضير كامل وشامل للشخصية السردية .. و أعتبره بحق أكثر الحالات حاجة لبناء متكامل و عميق لتفاصيل الشخصية بدءا من أدق التفاصيل حتى أكثرها وضوحا ..

لماذا أكره الضمير ؟

أعتقد أن الصورة واضحة .. أنا لا أكرهه .. لكني أجده غير عادل .. ففي مقابل كم المخاطر التي تواجه من يكتب به فهذا كله في سبيل ميزة واحدة فقط .. لهذا ضمير السرد الثالث المحدود له قوة أكبر من هذا الضمير لقلة عيوبه و كثرة مميزاته عنه ..

أود توضيح نقطة مهمة ..

بالنسبة للكاتب المبتدئ سيجد أن أكثر الضمائر سهولة في نظره هو الأول .. و ربما يعتقدني مجنونا و معقدا بنقاطي التي تحدثت عنها .. لهذا سأقول الحقيقة .. لن يجد تلك النقاط أحد إلا من يكتب باحترافية بهذا الضمير .. أي أن الكاتب المحترف و المخضرم الذي يرغب بكتابة رواية رائعة سيجد نفسه في مواجهة تلك النقاط و ربما أكثر .. لكن الكاتب المبتدئ لن يدرك حجم المخاطر و المآسي التي يرتكبها في حق روايته حتى يوضح له أحد ذلك .. و للأسف نادرا ما يفعل أحد ذلك .. بل أشك إن وُجد من يفكر في أن يفعل ذلك ..

ضمير السرد الثالث :

يعرفه البعض باسم الراوي .. و أعرفه أنا باسم الرواي ( أمزح .. هو خطأ مطبعي شائع لدي وعيناي صارت لا تميز الفرق بينه و بين الصحيح ) .. هو الراوي العليم .. هو ضميري المفضل حقيقة ..

حتى أكون عادلا – و إن كنت أشك – سأذكر عيوبه :

1-العيب الأول : الفصل بين القارئ و الشخصيات ..

من المعلوم انني لو ظللت أتحدث لك عن شخصية ستتقرب إليها أكثر مما لو حكيت له عن ثلاثة .. عن عشرة .. فما بالك بمجرد القفز فوق الشخصيات و توضيح بعض ردود أفعالها من حين لآخر ؟

هذا هو العيب الأكبر لهذا الضمير .. في نظري لا يمكن تجنب هذا العيب لأنه باختصار مدموج في الطريقة السردية الخاصة به .. و يزداد هذا العيب بزيادة عدد الشخصيات – راجع تجربتي في مذكرات رانمارو حتى لا أكررها هنا –

2-العيب الثاني .. وفقا لما قاله أورسون فالعيب الثاني هو الفصل في المكان .. ولم أفهم ما يعنيه حتى هذه اللحظة للأسف ..

3-العيب الثالث : كما في الأول سيكون هنا كذلك أن بعض الأنماط في الرواية تكون أفضل لو حُكيت بالثالث .. كالمغامرات و الفانتازيا و الغموض .. و لكن إن شئت و قصصت قصة رومانسية أو واقعية فلن تكون بمثل التأثير الذي سيحصل عليه القارئ لو حكيت نفس الرواية بالأول ..

أعتقد أن هذه هي العيوب ..

ما هي المزايا إذن ؟

1-الحرية في الحركة .. حقيقة أعترف أن هذه الميزة هنا هي التي تجعلني أعشق هذا الضمير .. أنا أحب التحرك من مكان لآخر .. أحب أن أبني و أنسج خيوط حبكتي كما أريد وأشتهي .. لا أريد أن أكون مقيدا بنظرة شخصية واحدة ..

2-بقية المزايا هي عيوب الأول .. باختصار الثالث مرآة معكوسة للأول .. مميزات الثالث هي عيوب الأول .. عيوب الثالث هي مميزات الأول .. و العكس صحيح .. ( طبعا حتى لا أطيل عليكم )

ضمير السرد الثالث المحدود :

حسنا .. هذا الضمير أراه مهما و مميزا في وقت واحد .. بداية ما هو الضمير ؟

هو إحدى المحاولات المستميتة لتجنب عيوب الأول .. جاءت ببساطة من دمج الأول مع الثالث في ضمير واحد ..

لو نظرنا للأول على أنه نظرة شخصية واحدة للأمور طوال الرواية .. و الثالث هو نظرة كافة الشخصيات في الحدث طوال الرواية بصورة فوقية كأنك تراقبهم .. حينها لو قلنا الثالث المحدود فهو نظرة شخصية معينة للأمور في مشاهد معينة .. مع التبديل في الشخصيات السردية للأحداث تباعا كما يرغب الكاتب ..

لو قلنا أن الرواية بضمير السرد الأول تحتوي على شخصية سردية واحدة فقط .. و الرواية بضمير السرد الثالث تحتوي على شخصيات عدة في السرد .. فالثالث يحتوي على أكثر من شخصية في الرواية تسرد الأحداث ..

لهذا فهو يأخذ من الأول كون المشهد السردي يتم سرده من منظور شخصية واحدة فقط .. شخصية واحدة تسرد الأحداث و لا أحد غيرها .. و تأخذ من الثالث تنوع شخصيات السرد في الرواية .. لهذا فاسمه ضمير السرد الثالث المحدود ..

محدود لأنك تحد الرؤية السردية من مجموعة أشخاص لشخصية واحدة فقط .. تلتزم فيها بكافة بنود اتفاق الأنا .. ولا تخالفها قط ..إلا في شيء واحد فقط .. أكثر من شخصية – عبر الرواية بأسرها – تسرد الموقف الروائي ..

أبرز مثال في رأيي هي واحة الغروب ..

لماذا الثالث المحدود ؟

باختصار هو زاد من مميزات الأنا و قلل من عيوب الرواي العليم ..

فمميزاته هي :

1-يجعل القارئ يتقرب كثيرا من الشخصيات الموجودة بالرواية .. ( نفس ميزة الأول و عيب من عيوب الثالث )

2-يجعل القارئ أمام أكثر من نمط للشخصية فتزداد خياراته للتعلق بأحدها .. ( نفس ميزة الثالث )

3-نسج الحبكة جيدا .. فأنت هنا تعرض أكثر من وجهة نظر لأكثر من شخصية لنفس الحدث ربما .. كما حدث في بعض أحداث واحة الغروب .. ( ميزة من الشخص الثالث )

4-إتاحة الفرصة للكاتب للتعبير بحرية أكثر عن الرواية .. ( ميزة من الشخص الثالث )

5- يزيد من الألوان الأدبية المتاحة للكتابة بهذا النمط .. و في رأيي أكثر الأنماط استفادة من هذا الضمير هو الثالث المحدود .. فحين تقص الرواية من وجهة نظر البطل مرة و البطلة مرة أخرى ستكون رائعة في رأيي ..

لكن ليس كل شيء جميلا هكذا .. فالعيوب خاصته قاتلة للغاية ..

أحد أهم العيوب على الإطلاق هي عدم تعود الكاتب على هذا النمط .. الكتاب معتادون على الأول .. الثالث .. الثاني .. لكن خلط بين الأول و الثالث هذا نمط جديد .. هو – مثل أي طريقة كتابة في العالم – تحتاج لتدريب و تعود عليها و قراءة في عيوبها و مميزاتها و خبرات السابقين .. لكن المشكلة أن الكتاب يندفعون في الكتابة معتمدين على أنهم يعرفون الأول و الثالث إذن فالكتابة بهذا الضمير لن تكون صعبة .. و هذا خطأ كبير ..

العيب الثاني و الهام هو إن لم ينتبه الكاتب إلى أن الرواية يجب أن تكون في نطاق قوي للحبكة فستصبح مجرد خيوط طويلة متفرقة تجمعها نهاية واحدة .. فكما قلت في رأيي بواحة الغروب الخطأ الذي وقع فيه الكاتب الكبير بهاء طاهر كان واضحا .. لقد تمددت الرواية و الأحداث منه بصورة لم يفكر في دمجها بالحبكة إلا متأخرا .. لهذا جاءت النهاية باهتة في رأيي .. و لكي يحدث هذا الاندماج على الكاتب أن يفهم أنه لم يختار هذا الضمير عبثا .. لم يختار هذا الضمير ليسرد موقف بشخصية و موقف آخر بشخصية أخرى .. بل اختاره ليسرد نفس الموقف بشخصيتين مختلفتين على الأقل .. وهنا المحك الرئيسي بالفعل ..

في واحة الغروب فصول مبنية على تلك النظرة .. لكنها قليلة .. لو عدت للقراءة و تابعت تلك الفصول تحديدا ستجد أنك حين تنتهي من قراءة نظرات الشخصيات الموجودة لموقف واحد أنك تفكر في أكثر من اتجاه .. مشغول بالتفكير في أيها صحيح و أيها خاطئ ؟ وماذا حدث تحديدا ؟ كما في حادثة مليكة الرائعة في نظري بالرواية .. خلاف ذلك فالرواية تصبح مجرد حواديت سردية لشخصيات منفصلة عن بعضها البعض .. على كلٍ العيب هذا خفي و لا يدركه الكاتب إلا متأخرا للأسف .. فاحذر منه ..

يقول أورسون تشبيه جميل عنه ” نحن نبادل الوقت بالمكان ” .. فلكي نتعمق أكثر في مشهد واحد نستغرق وقتا أطول فيه بسرده من وجهتي نظر مختلفتين بصورة منفصلة و بصورة تامة كأن كل شخصية تسرد الرواية من منظورها الخاص فعلا .. نعطي وقتا أطول في سبيل إحداث تأثير و تفكير أعمق .. هذا هو الثالث المحدود فعلا ..

* أمور سردية خاصة :

الروايات أربعة أنواع :

-رواية حول فكرة

-رواية حول شخصية

-رواية حول أحداث

-رواية حول العوالم ..

كل نوع يحتوي على كافة عناصر الرواية .. لكن يبقى العنصر المميز لها هو المسيطر على بقية الأنواع .. ففي الفكرة يصبح الهدف كله الفكرة .. من أوضح أمثلتها روايات الغموض .. روايات الجرائم .. الروايات التي تبدأ بفكرة وهي لغز .. سواء الرغبة في سرقة بنك .. البحث عن كنز مفقود .. التفكير في هوية القاتل .. بينما الروايات التي تدور حول الشخصيات هي روايات إجتماعية .. تدور حول المشاكل الإجتماعية .. حول الأمور الخاصة بالحياة الشخصية للبشر العاديين و بالتالي لشخصيات الرواية .. أما رواية الأحداث فهي التي تطغى سلسلة الأحداث بها على بقية العناصر .. بينما رواية العوالم تلك الخاصة ببناء العوالم الخيالية و فيها يصبح الهدف هو استكشاف العالم من خلال المغامرات .. و ثلاثية الخاتم مثالا على ذلك ..

لكل نوع من الأنواع السابقة أهمية حين النظر له نظرة حاكمة عادلة .. فلا يمكن مثلا الحكم على رواية الفكرة من جهة أن الشخصيات الموجودة بها سطحية .. فهي عادة ما تكون كذلك .. لكن حينها نبحث عن الفكرة و عن الأداء و التعبير عنها و حينها نطلق الحكم عليها حقا بحيادية .. و هكذا ..

كتابة الفلاش باك :

كتابة منتشرة بالطبع .. الشخصية تجلس و تسرح بخيالها في الماضي ..

عن نفسي – ولا أدري لم – لم أحب تلك الطريقة .. المشهد الوحيد الذي قمت بفلاش باك فيه بروايتي كان جزء من فصل فقط .. مجرد مشهد .. ولم يكن فلاش باك بالمعنى المعروف .. مجرد سرد لما حدث في الماضي مع الأم و ياكو و رانمارو مع توضيح لردود الأفعال بين اللحظة و اللحظة للمستمعين .. أي جعلته في منتصف الأحداث .. و تبعا لما قرأت حتى الآن فقد كنت موفق في هذا .

ببساطة النمط التقليدي للفلاش باك هو أن يبدأ الفصل بمشهد الفلاش باك للشخصية وهي غاضبة أو حزين .. تسرح في الطريق مثلا خلال إشارة مرور .. تسرح في سيرها أو جلوسها في شرفة منزلها .. المشكلة كلها في تلك الطريقة – و التي انتقدها أورسون – أن الغالبية من المبتدئين يشرعون في كتابة فلاش باك دون تقديم حاضرا للشخصيات .. و هذا غير صحيح ..

يجب أن يتم كتابة بعض من الحاضر معبرا عن حاضر الشخصية التي تقوم بالفلاش باك حتى يكون للقراء انطباعات عنها قبل أن يأخذوا معلوماتهم من الفلاش باك , النقطة المهمة الأخرى هي ألا يحتوي الفلاش باك على مجرد سرد لأحداث دون أي شيء آخر .. يجب أن يحتوي على أمور مهمة .. و إلا فما فائدته ؟

تستحضرني طريقة جميلة استخدمها أحمد العايدي في أن تكون عباس العبد .. تقسيم الفلاش باك على عدة مراحل .. حين تذكر القاص طفولته مع عوني – والغريب أنه عوني ذاته لكنه متقمص شخصية عبدالله الذي كان يعذبه – و قام بسرد ما حدث في طفولته لكن بصورة متقطعة و في أثناء الفصول .. و بصورة جيدة كذلك .. الأمر لم يكن مملا لي كقارئ .. بل كان مثير .. وهذه خطوة ذكية من العايدي بالطبع ..

هناك من يحب بدأ روايته بفلاش باك مباشرة .. و هنا يمكن إثارة الفضول من أول كلمة في الرواية .. لكن مجددا لا تسرد شيء بدون أن تستفيد منه .. لا تفعل شيء في الرواية دون أن تستفيد منه .. هذه قاعدة مهمة للغاية ..

القاعدة الأهم من هذا كله – بالاعتبار أن لكل كاتب نظرته الخاصة في الكتابة – أن الفلاش باك مهما كان و أين كان يتم كتابته بضمير السرد الشخص الأول ” الأنا ” و ليس بأي ضمير آخر .. نقطة أحببت توضيحها صراحة.

كيف أعرض المعلومات دون التسبب في ملل القارئ ؟

سؤال هام .. أنت تكتب نعم .. لكن ما فائدة كتابتك لقراء يملون منك ؟

الملل .. أحد المخاطر الشديدة لمهنة الكتابة حقيقة .. خاصة في الفانتازيا .. حيث مطلوب منك الدفع بعشرات الصفحات من المعلومات و الوصف عن العوالم و التقنيات و السحر و خلافه من معلومات و أسس و شروحات دون تخطي المنطقة الحمراء .. الملل .

لكي أقوم بذلك هذه هي تقنياتي التي أستخدمها :

-تعددية الشخصيات :

وهو نابع من أن عرض فكرة على شخص تختلف عن عرضها على عشرة . الفكرة تكمن في أنه كلما كان العدد أقل كلما كان فرصتي للتدخل في الحوار و قطعه أقل .. و لو حاولت أن أكثر من القطع في الحوار سيمل القارئ مني نوعا لأنني أستخدم نفس القطع دوما .. لكن حين يكون العدد كبير ففي خلال عشرة صفحات من الشرح المتواصل ربما لا يسمع اسم شخصية إلا مرة أو مرتين فقط ..

-الحوار التفاعلي :

الحوار التفاعلي فكرته بسيطة .. يمكنني في مشهد أن أجعل الشخصية صاحبة المعرفة تتحدث و تثرثر بصورة متصلة لعدة صفحات .. و هنا تصبح بقية الشخصيات ذات أدوار مستمعة صامتة .. بالضبط كما يحدث في الفصول التعليمية المصرية .

ويمكنني في الوقت نفسه .. و بنفس الشخصية المتحدثة .. و بنفس القدر من المعلومات التي أريد أن أوصلها للقراء .. أقوم بجعل الحوار تفاعلي .. بمعنى أن الشخصية تتحدث و تقول مقطعا منتهية من جزء من المعلومات و أقطع الحديث و أجعل شخصية أخرى تتدخل في الحوار بجملة اعتراضية .. قد تكون جملة تعجبية .. فتهز الشخصية العارفة رأسها و تتابع مؤكدة كلمات من تدخل و توضح أكثر و أكثر من المعلومات .. و ربما تكون الجملة استفهامية .. و حينها يكون الجزء التالي إجابة عن السؤال .. و ربما تكون استنكارية .. كمن يقول معلومات تختلف عما لدى الشخصيات أو إحداها فتتدخل بالإعتراض و توضيح وجهة النظر التي لديها مثلا أو تكتفي بالنفي فتتابع الشخصية العارفة الشرح مستعينة بالأدلة .. و قد أعترض الشرح ذاته بجمل فقط تعبر عن حالة المستمعين و تأثير الكلمات عليهم من تعبيرات الإنسان المختلفة .. وقد أقطع الشرح بجعل الشخصية العارفة تتحرك في المكان .. إن كانت جالسة تقوم .. إن كانت واقفة تسير نحو المدفأة أو النافذة .. وربما تجلس على مقعد .. ربما تجلس محتضنة الشخصية التي تحدثها و تتابع لو كان المشهد مؤلما .. ربما أقطع المشهد لتدخن سيجارة .. لتتنهد .. لأي شيء آخر قد يشتت التركيز قليلا عن الملل .. فالإنسان بطبعه ملول ..

لتعلم أن تركيز القارئ يزداد شغفا ليتحول من كونه مستقبل سلبي للمعلومة معرض لخطر شديد للملل إلى شخص يرغب أكثر من الشخصيات أنفسهم لمعرفة المعلومات كاملة حين يتم عرض سؤال منطقي بحت أو استنكار منطقي بحت من قبل الشخصيات التي أمام الشخصية العارفة بالأمور .. حينها تضمن جيدا أن القارئ يزداد شغفا ..

لكن لتحاذر .. حاذر دوما و أبدا من التكرار .. لا تكرر نمطك .. لا تكرر طريقتك .. لا تبالغ في أي شيء .. بمعنى لا تجعل الاعتراض دوما أو غالبا من قبل جمل استفهامية .. حينها سيشعر القارئ أنه في مدرسة .. ولا تجعل الاعتراض دوما و أبدا بجمل تعبيرية .. ربما يمل القارئ منك حقا .. نوع .. دوما ما أفكر أنني حين أكتب أمتلك نفس الأدوات بلا تغيير .. نفس التي يملكها زميلي الكاتب الذي لا أعرفه .. فكيف سأؤثر في القارئ إذن و أكون مختلفا و مميزا دون ملل ودون تقليد لما جاء سابقا ؟ علي بالابتكار و بعدم التكرار و التغيير الدائم و التنوع في استخدام الأسلوب و النمط ..

Show , don’t tell :

ببساطة شديدة .. مبدأ يقول : صف و لا تصرح ..

المبدأ هذا في مواضع يكون صحيحا للغاية .. في مواضع أخرى يكون خاطئا للغاية .. باختصار مجددا .. قم بم تحتاجه روايتك .. لو أردت رواية وصف فقط فستحصل على آلاف الصفحات كتابة .. ولو أردت رواية تصريحية فقط فستحصل على عدة صفحات فقط .. عليك أن توازن .. وازن بين الطريقتين .. و على هذا الأساس يصبح نمط أسلوبك .. و لكن ماذا نفعل نحن هنا ؟

نحن هنا كي نخبرك بكيف تعبر جيدا .. و متى تصف .. ولماذا تصف من الأساس ..

في البداية يجب أن تدرك جيدا أن التعبير عن الفكرة أو المعلومة أحد طرق التنويع في العرض .. ففي خلال مقطع واحد يمكنك التصريح و العرض في نفس الوقت .. كمثال على ذلك :

ودخل الرجل ذو الخطوات الثقيلة المكان مسببا في ترددات صوتية عالية تتردد في الأنحاء كافة ..

من خلال هذه الجملة عرفت أنه رجل بالتصريح .. و أنه داخل مكان .. و عرفت أن وزنه ثقيل ربما .. يحمل أشياء ربما بالتعبير .. و عرفت أن المكان خاوٍ بالتعبير .. هنا القارئ يتعرض لموجات من التصريح و التعبير للمعلومات .. و بالتالي لن يشعر بالملل ..

لا تستخف بذكاء قارئك و لا ترهقه .. هذه من قواعدي الخاصة .. أحترم دوما ذكاء قارئي في الكتابة .. فأخفي بعض الأمور التي يمكن التوصل إليها بالتفكير .. لكن المشكلة دوما ما تكمن أنه حين التفكير تخرج عدة احتمالات و ليس احتمالا واحدا .. كما في حالة الرجل بالمثال بالأعلى .. لهذا يجب أن تحدد لقارئك فيما بعد أي الخيارات هي أصوبها .. وقد تستخدم تلك الفكرة في الحبكة .. فتطرح عدة أمور للتخمين تصاحبها عدة احتمالات تتشعب و تتداخل في النهاية أنت الوحيد الذي يعلم جيدا أي الاحتمالات صواب و أيها خطأ ..

لكن لا تبالغ !

لا تجعل روايتك كلها عرض .. عن نفسي لا أحب العرض الكامل .. بل أكاد أمل منه .. وصف وصف وصف .. لابد من التصريح .. لابد من تحديد الأمور دوما .. على كلٍ يقولون أنك تكتب ما تحب أن تقرؤه .. ولهذا كل كاتب مختلف عن الآخر ..

من أحد عيوب استخدام طريقة الوصف في التعبير هي التطويل ! تخيل معي أنك كي تكتب عبارة :

دخل رجلا سمينا المكان الخالي .. عليك أن تكتب هذه العبارة : دخل أحد الأشخاص بشاربه الكث يتأرجح مسببا ضجة عالية بخطواته الثقيلة في هذا الحيز الضيق , زاد عليها ترديد المكان للأصوات عدة مرات ..

هنا أنت للتعبير عن خمسة كلمات فقط كتبت اثنين و عشرين كلمة .. لو حسبت الأمر ستجد أن الوضع مخيف .. وهو حقا كذلك .. وهذا فهو يُضاف لعيوب تلك الطريقة .. التطويل !

نقطة أخرى ..

لا أدري إن كنت ما سأقوله يقع تحت عنوان الوصف و عدم التصريح أم لا .. لكن سأقوله على أي حال ..

يمكنني – ككاتب – أن أقوم بكتابة ما أريد قوله في صورة سردية بحتة .. وهذا مثلا حين أقدم شخصية :

جاء عمر إلى المكان الذي تربى فيه , لا أحد يعلم متى جاء عمر للمكان لكن الحقيقة أنه يرتبط به , فوالده – رحمة الله عليه – لم يكن من المنطقة .. و لم يشاهد أحد أي شخص يحمل اسم نائل في نهاية اسمه في المنطقة من قبل , لكن وجود عمر ارتبط بالمكان لأنه فعل .. كذا و كذا .. الخ ..

الاستطراد في وصف المعلومات هكذا لا أحبها .. لماذا لا يتم عرض تلك المعلومات بصورة حوارية ؟ يكفي مشهدا لشخصين يتحدثان عنه قبل مجيئه و أسرد فيه هذا كله .. وربما بعضه .. و ربما أكتفي بمقولة : لم يوجد أي من عائلة نائل من قبل هنا سوى عمر !

هذه هي طريقتي .. لا أحب السرد المستمر .. لكني أحب الحوار المستمر المتخلل ببعض من السرد .. لأن الحياة أغلبها حوار .. حين تجلس بمكان لا تجلس تشاهد كل صغيرة و كبيرة .. بل تجلس مع أصدقائك تتحدثون عن كل صغيرة و كبيرة !

على كلٍ حتى أعرف ماذا تعني تلك الطريقة في الكتابة فسأكتفي بوضعها هنا لحين إشعار أخر ..

وهي طريقتي في الكتابة .. و مجددا .. ما يسري علي قد لا يسري عليك .. و ما يسري عليك قد لا يسري علي ..

القفز بالأحداث زمنيا :

منطقة مهمة فعلا .. تخيل أنك في روايتك و تريد القفز زمنيا بالأحداث .. لأنه و ببساطة شديدة لا مجال للحديث عما سيفعله البطل في رحلته التي ستستغرق سبع ساعات مثلا في الطريق .. أنت تريد أن تدخر الوصف لهذا الطريق لرحلة العودة مثلا حيث أحداث مهمة ستحدث فيها أو في رحلة أخرى أو فوق هذا كله لا تريد أن تملأ روايتك بكثير من الوصف الممل و الحشو الذي لا فائدة منه ..

حينها يكون الحل البسيط أمامك هو القفز زمنيا .. ربما تجعل الانتقال بسيطا للغاية بكتابة جملة واحدة تعبر عن ذلك قبل بداية المشهد التالي أو الفصل الجديد .. و قد تريد أن تجعل الموقف أكثر تماسكا فتصف مشهدا يحضر فيه البطل سيارته ثم تتبعه بمشهد آخر يصل فيه لنهاية رحلته بعد رحلة متعبة من القيادة .. و ربما تقف في منتصف الطريق في إحدى كافتيريهات الراحة لتصف ما يحدث باختصار و إقتضاب معبرا عن انتهاء جزء من الرحلة وقتيا و بعدها يركب سيارته ليرحل ..

بالنسبة لي قمت بالقفز زمنيا كثيرا .. لعل أكثر ما أحنق القراء هي قفزة زمنية استمرت شهرين كاملين .. فيها أخفيت تفاصيل معركتين مصيريتين و اكتفيت بوضع اسم واحد لهما : معركة باكوشو ..

ولم أذكر تفاصيل تلك المعركة إلا في بداية الجزء الثالث كفلاش باك منفصل عن أحداث الرواية .. أفكر في ضمه لمذكرات رانمارو ربما .. على كلٍ هي تجربة مجنونة لكنها ليست ما قصدته هنا ..

الغموض و الإثارة و الشغف :

حقيقة أحد الأمور الهامة في أي رواية .. مقدار الإثارة فيها .. ما المدى الذي نجح الكاتب في إثارة الفضول و الشغف داخل نفس قارئه ؟

مهلا .. ليست تلك المهمة بتلك السهولة على الإطلاق ..

يقول الروائي مانويل كومروف عن وسيلة جميلة أستخدمها عادة في إثارة شغف القارئ طريقة ” السلسلة المتداخلة من المشاكل و الوعود ”

الأمر ببساطة شديدة يكمن في أنك إن لم تمنح قارئك سؤالا يجعله يفكر في الإجابة عليه في أي مرحلة من مراحل الرواية فأنت تفقده ! القارئ إن لم يكن مصحوبا بعامل الإثارة سيتحول لديه العامل الضد و هو الملل .. و حذار من ملل قارئك ..

نعود .. بالنسبة لتلك الطريقة فببساطة نتصور أن لدينا رواية بها سؤالا .. و إن كان بسيطا .. مثل : أين زاك ؟ تجعل بطلك يهبط من فراشه باحثا عن زاك حتى و إن لم تكن قد أخبرت القارئ من قبل عن ماهية زاك , طبيعي أن يتخيل القارئ أن زاك هذا هو شخص , حينها يمكنك صدمه بجعله كائن أسطوري مثلا صديق للبطل .. أو شيء آخر حسب ما تحب .. بعدما يبحث القارئ مع بطلك عن زاك في المنزل و لا يجده حينها تكون قد قدمت الإجابة على السؤال : أين زاك ؟ . زاك ليس بالمنزل !

لا تجعل قارئك يلتقط أنفاسه .. كما نقول فلتضرب على الحديد وهو مشتعل .. لا تقدم لقارئك سؤالا .. لا .. قدم له سؤالين .. ثلاثة .. و يا حبذا لو قدمت مع كل سؤال احتمالية خطر معينة .. فمثلا على لسان بطلك :

-هل يمكن أن يكون قد ذهب لدان ؟ إن ذهب لدان فربما يقتله ! .. لا .. ربما يكون قد ذهب لسارة .. حينها ستأخذه و تسبح في مركبتها نحو كوكبها ولن أقدر على الحصول عليه مجددا .. لكن ماذا إن لم يكن هناك ؟ هل يكون قد ضل طريقه ؟ أم سرقه أحدهم ؟

هنا تضع قارئك على عتبة الانفجار ! بداية هو لا يعرف من هو زاك .. فقط هو أدرك مدى أهمية زاك .. و أدرك عدة أمور منها أن ذهابه لدان خطر .. و ذهابه لسارة خطر .. دان يكرهه و سارة تحبه .. ربما لا يكون هنا أو هناك .. حينها سيكون من المنطقي أن تنطلق الشخصيتين دان و سارة في طريق البحث عن زاك مع بطلك .. و هنا تجعل من بطلك على حافة مقعده من فرط الإثارة .. هل وجده أحد منهما ؟ ولو وجده كيف سيعرف ؟ وماذا سيفعل البطل ؟ .. سيرغب بمعرفة ما هو تال .. ولا تقدم له الإجابات عن الأسئلة إلا بعدما تكون قد مهدت لأسئلة أخرى .. و هكذا ..

هذه الطريقة لو حللتها ستجد أن إجابة كل سؤال تمنحك بوابة لسؤال جديد أو أكثر .. و لو نظرت للأمر بصورة أوسع و أشمل ستشعر كأنك تبني هرما .. قمته هو أول سؤال طرحته على الإطلاق .. و قاعدته العريضة تلك هي قمة الإثارة و التشويق و التي عادة تكون ذروة الأحداث .. و بعدها تكشف كل شيء و انتهاء الرواية ربما .. وربما تكشف بعض من الأحداث لتظهر مغامرات جديدة و هكذا دواليك ..

علاقة الكاتب بالقارئ .. العقود الخفية :

-العقد الأول : لن تنتهي الرواية قبل نهاية الصراع الرئيسي فيها ..

-العقد الثاني : أي شيء يستغرق وقتا في السرد الروائي يجب أن يكون ذو مغزى للرواية .. فالتفرعات الخارجة عن نطاق سير الحبكة و الأحداث الرئيسية و التي تصب في مصلحة التشتت و الرغبة في الثرثرة و كتابة صفحات كثيرة لا داعي لها هي مجرد خطأ كبير .

قد يتسائل البعض بأنه يشعر بأنه يجب كتابة أمور خارج نطاق الحبكة الرئيسية .. حينها أنت لديك مطلق الحرية في جعلها تابعة للحبكات الفرعية أو للمضاعفات و المشاكل .. لكن ضع في حسبانك أنك يجب أن تنهي الصراع الأساسي بالرواية .. و حين ينتهي عليك بنهاية الرواية كلها ..

مثال : في أمير الخواتم نجدها مليئة بالصراعات و النزاعات .. قصص ثانوية كاملة تأخذ منحنى خط سير واحد بالثلاثية .. قصص أراجون و مغامراته دفاعا عن أراضي البشر و استعادة ملكه الضائع .. و قصص الإنت و الشجر المقهور تحت المعاملة الظالمة له .. نزاعات سارومان و طموحاته التي تجعله ينقلب للشر .. كل هذا جيد .. لكن القصة الأساسية .. محور القصة كله يكمن في فرودو و رحلته لتدمير الخاتم .. القصة بدأت بذلك .. القصة تتحرك نحو ذلك .. و القصة انتهت مع تدمير فرودو للخاتم .. مع ذلك انتهت كل القصص الأخرى قبل هذه النهاية .. كل القصص ساهمت -بشكل أو بآخر – في مساعدة بعضها البعض حتى يساعدوا فرودو في مهمته .. أي أن كل الحبكات الفرعية ساهمت في تدعيم الحبكة الرئيسية و الوصول بها لبر النهاية .. و لم تقم بالتشتيت و الابتعاد عن النهاية .. وهذا هو دستور الحبكات الفرعية العام .. فقصة أراجون و كفاحه كانت من الأهمية بمكان حتى تصد جحافل سارون و توصل الجميع للوقفة أمام البوابات السوداء مساعدة منهم لفرودو كي يمر عبر أرض سارون دون أن يلاحظه أحد .. و قصة الإنتس كانت مهمة لدحر قوى سارومان .. لا توجد قصة لم تسهم في دفع عجلة قصة أخرى او الحبكة الكلية .. و هنا يكمن موطن قوة بالرواية ..

التأثير في مشاعر القراء :

حسنا .. نقطة أعتقد أنك قد توصلت لفكرة عنها بصورة كبيرة من خلال قراءة ما سبق .. فقط أحببت أن أضعها كنقطة في النهاية كي تدرك حقا وجود شيء كهذا .. و لن أتحدث عما تحتها .. فأنت أعلم بما هو تحتها ..

فقط اعلم أنك لا تتلاعب بمشاعر قرائك إلا في سبيل إحداث تأثير أعمق و توصيل فكرتك .. أي لهدف أسمى .. لو تلاعبت بغرض التلاعب فقط فلن تكون كاتبا .. فقط ستكون متصنعا .. و لن تحدث شيء سوى كراهية القراء لك و احتقارهم لك و لديهم حق في هذا بالطبع ! أعتقد أنك يمكنك اعتباره أحد قوانين الكتابة الغير مكتوبة .. و كافة القوانين كذلك ..

2021/09/18 · 209 مشاهدة · 6137 كلمة
نادي الروايات - 2024